إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
شفاء العليل شرح منار السبيل
198938 مشاهدة
قراءة القرآن

قوله: [وقراءة القرآن] لقوله -صلى الله عليه وسلم- لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن رواه أبو داود والترمذي


الشرح: - وهذا أيضا- مما يحرم على الحائض فعله، وهو قراءة القرآن، سواء كانت هذه القراءة من المصحف أو عن ظهر قلب، فهي في هذا شبيهة بالجنب الذي لا يجوز له ذلك حتى يتطهر من جنابته، وفي هذا تنبيه له بأن يبادر إلى الغسل حتى يتمكن من ممارسة كثير من العبادات التي تحرم عليه بالجنابة، ومن جملتها قراءة القرآن.
وأما الحائض فقد اختلف العلماء في جواز قراءتها للقرآن:
فذهب أكثرهم إلى عدم جواز ذلك' - كما سبق- واستدلوا بالحديث السابق: لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن قال الخطابي (وفي الحديث من الفقه أن الجنب لا يقرأ القرآن، وكذلك الحائض لا تقرأ لأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة) .
وذهب بعضهم إلى جواز ذلك- وهو رواية في المذهب ومروي عن الإمام مالك - قال الخطابي (وقد حكي عنه- أي الإمام مالك - أنه قال: تقرأ الحائض ولا يقرأ الجنب لأن الحائض إذا لم تقرأ نسيت القرآن؛ لأن أيام الحيض تتطاول، ومدة الجنابة لا تطول) واستدل هؤلاء بقول عائشة - رضي الله عنها- عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يذكر الله على كل أحيانه رواه مسلم . والذكر يشمل قراءة القرآن وغيرها.
واستدلوا- أيضا - بقوله لعائشة عندما حاضت زمن الحج افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري فأباح لها -صلى الله عليه وسلم- ما يفعل الحاج- ومن ضمنه قراءة القرآن- واستثنى الطواف بالبيت فقط؛ ولهذا استدل البخاري- رحمه الله- بهذا الحديث على جواز قراءة الحائض القرآن كما بين ذلك الحافظ في الفتح .
قال هؤلاء: وأما حديث لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن فإنه حديث [ضعيف من جميع طرقه]، كما قال الحافظ في الفتح .
ولعل الصواب في هذه المسألة- وهو ما يميل إليه شيخ الإسلام انظر: الاختيارات (ص 27). - أن الحائض يجوز لها أن تقرأ القرآن إذا احتاجت لذلك، ويتأكد إذا خشيت نسيان حفظها. قال -رحمه الله- في الفتاوى (أما قراءة الجنب والحائض للقرآن فللعلماء فيه ثلاثة أقوال: قيل يجوز لهذا ولهذا وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور من مذهب الشافعي و أحمد وقيل: لا يجوز للجنب ويجوز للحائض إما مطلقا أو إذا خافت النسيان، وهو مذهب مالك وقول في مذهب أحمد وغيره فإن قراءة الحائض القرآن لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه شيء غير الحديث المروي عن إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئا رواه أبو داود وغيره وهو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث) إلى أن قال (ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن ينهاهن عن قراءة القرآن، كما لم يكن ينهاهن عن الذكر والدعاء، بل أمر الحيض أن يخرجن يوم العيد فيكبرون بتكبير المسلمين وأمر الحائض أن تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت: تلبي وهي حائض، وكذلك بمزدلفة ومنى، وغير ذلك من المشاعر، وأما الجنب فلم يأمره أن يشهد العيد، ولا يصلي، ولا أن يقضي شيئا من المناسك؛ لأن الجنب يمكنه أن يتطهر، فلا عذر له في ترك الطهارة، بخلاف الحائض فإن حدثها قائم لا يمكنها مع ذلك التطهر، ولهذا ذكر العلماء ليس للجنب أن يقف بعرفة ومزدلفة ومنى حتى يطهر، وإن كانت الطهارة ليست شرطا في ذلك، لكن المقصود أن الشارع أمر الحائض أمر إيجاب أو استحباب بذكر الله ودعائه مع كراهة ذلك للجنب، فعلم أن الحائض يرخص لها فيما لا يرخص للجنب فيه لأجل العذر، وإن كانت عدتها أغلظ، فكذلك قراءة القرآن لم ينهها الشارع عن ذلك..) إلى أن قال- رحمه الله- (وليست القراءة كالصلاة، فإن الصلاة يشترط لها الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، والقراءة تجوز مع الحدث الأصغر بالنص واتفاق الأئمة، والصلاة يجب فيها استقبال القبلة، واللباس، واجتناب النجاسة، والقراءة لا يجب فيها شيء من ذلك، بل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يضع رأسه في حجر عائشة - رضي الله عنها- وهي حائض، وهو حديث صحيح) .